جاد حداد

Greta... رعب من نوع آخر

17 تموز 2023

02 : 00

في فيلم التشويق Greta للمخرج نيل جوردن، تبدأ القصة مع «فرانسيس ماكولين» (كلوي غريس موريتز)، وهي شابة عزباء تقيم في نيويورك وتتقاسم شقة مدهشة مع صديقتها الثرية «إيريكا» (مايكا مونرو). هي تعثر يوماً على حقيبة يد فاخرة أثناء وجودها على متن مترو الأنفاق وتعيدها إلى مالكتها «غريتا هيديغ» (إيزابيل هوبرت). «غريتا» هي أستاذة بيانو مولودة في فرنسا، وقد أصبحت أرملة حديثاً. هي تقيم وحدها في منزل قديم ومدهش وتعزف ألحان شوبان وبيتهوفن طوال الوقت. خسرت «فرانسيس» والدتها منذ فترة قصيرة أيضاً، وسرعان ما تنشأ علاقة أم وابنتها بين المرأتَين (سبق واستكشف المخرج هذا النوع من العلاقات في أفلام أخرى، أبرزها Byzantium). حتى أن «فرانسيس» تساعد «غريتا» على اقتناء كلب.

ما كان العمل ليدخل في خانة أفلام التشويق طبعاً لو كانت «غريتا» شخصية لطيفة تشعر بالوحدة وتبحث بكل بساطة عن رفقة ممتعة. سرعان ما تكتشف «فرانسيس» أن «غريتا» شخصية شريرة اعتادت استمالة الناس عبر هذا النوع من الأفخاخ، لكن يفوت الأوان على إنقاذ نفسها حين تدرك حقيقة ما يحصل. بحلول تلك المرحلة، تكون «غريتا» قد غرست مخالبها في حياة رفيقتها الجديدة. بفضل هذا الدور، تحصل هوبرت على فرصة مناسبة لإطلاق العنان لنفسها وتقديم أداء شيطاني ومبالغ فيه ومتغطرس أحياناً، لدرجة أن تتفوق في لحظات معينة على أداء جاك نيكولسون المعروف بهذا النوع من الأدوار المريبة.

بالإضافة إلى تقديم مجموعة معقدة من العلاقات غير التقليدية، يبرع جوردن في إخراج أعمال متنوعة. هو بدأ مسيرته بتقديم فيلم عن المستذئبين (The Company of Wolves (رفقة الذئاب)، ونجح في إضافة عناصر مرعبة إلى أعمال لا تدخل في خانة أفلام الرعب. هو يحبّ تقديم مشاهد مفاجئة ومخيفة وصور حسية ترتكز بشكلٍ أساسي على سفك الدماء. يعجّ هذا الفيلم بمشاهد مماثلة. لكن بما أن جميع الشخصيات، باستثناء «غريتا»، تبقى سطحية بشكل عام (بما في ذلك «فرانسيس» التي تجسّد شخصية بريئة وكئيبة تعجز موريتز عن إنقاذها مهما كان أداؤها قوياً)، كانت هذه الشخصيات كلها لتتخذ منحىً آلياً وجامداً لولا وجود هوبرت التي نجحت في التلاعب بالسيناريو. هي تبحث طوال الوقت عن أي تفصيل غريب يسمح لها بتقديم لحظة مميزة. هذا ما تفعله مثلاً حين تستعمل نبرة شاردة ورتيبة وتقول لـ»فرانسيس»: «المرأة معروفة بحذائها وقفازاتها، ونحن لا شيء إن لم نكن سيّدات!». وفي مشهد آخر من هذا النوع، ترقص «غريتا» وكأنها تمارس العنف، فتنخفض الكاميرا إلى مستوى الأرض لعرض حركات قدمَيها.

في النهاية، يُعتبر الفيلم سخيفاً بشكل عام ويدرك صانعو العمل ما يقدّمونه. يصعب تحديد أكثر شخصية تخاطب المشاهدين مباشرةً: جوردن أم هوبرت. كما يحصل في هذا النوع من الأفلام، تتحمّل «غريتا» أسوأ أنواع العقوبات الجسدية من دون أن تسمح لشيء بكبح مسارها. مع ذلك، تكثر الجوانب الممتعة في العمل، لا سيما مع اقتراب النهاية وانكشاف أسرار الحبكة. يبرز دور الشخصيات الثانوية في هذه المرحلة (بما في ذلك محقق في الشرطة يقدّم دوره الممثل ستيفن ريا الذي شارك في عدد كبير من أعمال جوردن)، وسرعان ما يتحوّل منزل «غريتا» إلى مكان مسكون ومليء بالأسرار والأفخاخ. حين تبلغ الأحداث ذروتها، يُقرّب المخرج الكاميرا من وجه هوبرت ويعرض لحظة مرعبة بامتياز، فنشاهد ابتسامة متكلفة في زوايا وجهها، بالإضافة إلى رجفة خفيفة في شفاهها. إنه التعبير الذي يظهر على وجه امرأة بالكاد تستطيع كبت ضحكاتها.


MISS 3